:السلام عليكم و
الصيد بالعُقـاب .. الطائـر اللـذي لايعـرف المـوت ..؟؟
سيّد السماء أو ملك الطيور كما يقال ؛ و هما ضمن ألقاب عديدة لطائر كاسر من سباع الطير العتاق
يُعرف : ( بالعُقاب ) وهو من أشرفها . و عندما تقول العرب بالإطلاق ( سباع الطير) هكذا , إنما يعنون
به كل طير يأكل اللحم الخالص فيسمى حينئذ : ( سبع ) . و السبع هو كل آكل هذه صفته - أي لا يأكل
إلا اللحم فقط - (1) , وقد وضعوا هذه السباع الطائرة في نوعين , الأول منها هي : العتاق الكريمة
و النوع الآخر هي : اللئام , لخسة طبعها .
أما العتاق الكريمة فهي : العُقاب, و الصقر, و الباز , والشاهين . وهي الأشهر .لأنها تأكل من كسب
مَنْسِرها ومخلبها , و تأنف أكل الجيف والميتة إلا إذا قُهرتْ عليها و شارفت على الهلاك . و أما الخسيسة
فأشهرها هي : النسور , و البوم , و الرخم , و الغربان . والتي تعيش على الجيف و الميتة
وتريكة غيرها من السباع .
و العقاب الذهبي على وجه الخصوص طائر باتع غشوم لا يهاب , و متهور مندفع , إن بلغ به الجوع
مبلغاً عظيماً لا يحتمله , " وهو عندما يُحَلَّقُ في السماء ويُطرقها , لا يجرؤ طائر ذو جناح يرف على
التحليق معه أو تحته ", ولا يدبّ على الأرض دابٌ من صيد إلا هابه , و تفزع منه الوحوش جميعاً من ذئاب
وثعالب وضباع و أشباهها (2), فإن اصطادت لها شيئاً انتزعهُ منها وترك لها السلامة . و إن خلت في
فلاة دون صيد تقتاته لنفسها اصطادها هي .
وكان الملك الظليل امرؤ القيس شاهد على هذا , حينما رأى عقاب انكبت من سقف السماء على ذئب في فلاة
قاحلة – و الذئب الذئب ! - فأدركته بمخلبها فشقت جنبه وفجرت عروقه , فلجأ إلى جحر ليندس
فيه ويأمن به عنها ولكن :
ما أخطأته المنايا قيس أنملة .. ولا تَحرَّز إلا وهو مكروب ُ
وظل منجحراً منها يراقبها .. ويرقب العيش إن العيش محبوبُ (3)
و يخطئ الكثيرون في عدم التفريق بينه وبين النسر , ذلك الطائر اللئيم ؛ حتى في التسمية (4) .. لقلة المعرفة
و الخبرة وانقطاعهم إلى المدن و هجرهم للصحراء, وهو أمر متفشٍ جداً في غالب الأدبيات والمعارف
العربية الموجودة من حولنا اليوم .
و العُقاب لكبرياء في خلقته لا يرضى لأحد أن يشاركه فرائسه , و إن كان هذا الشريك عقاب مثله , نقيض
النسر .. الذي لا يصطاد لنفسه شيئاً أبداً , بل هو عالة على كل حر من سباع الطير و الحيوان , و رزقه
على ما يلفظونه له من فتات , وعلى كل مريضة يدركها الموت , أو يسقطها الجوع و الظمأ . رغم أنه
يفوق العُقاب بدرجات بيّنة , في قوة البدن , و عظم الحجم , وطول السنين (5) . لكن الدناءة فيه قد
تغلغلت, ونخرت عصبه وقلبه وعظامه , للدرجة التي يعجز من الدنو إلى صيد كسير عاجز عن نفسه حتى
تزهق نفسه , ويسقط على الأرض جثة بلا حركة , وحينها .. يقترب على شك , وعلى ريبة , و على حذر !
ولهذا كان العُقاب أينما يممتَ ناظريك , أحد رموز البأس و الشجاعة عند الشعوب باختلاف ثقافاتهم,
و على مر العصور المتعاقبة في المعارف الإنسانية وآدابها . فتراه في أسماء الرجال و ألقابهم
و في شعارات الأحزاب والمنظمات , وأعلام الدول كالدول العربية , وعلى أسراب الطائرات و الكتائب
ورايات الجيوش وما إلى ذلك .
تشكيلة دخانية على شكل طائر العقاب قامت بها أحدى الطائرات الحربية
و العُقاب من الطيور التي يشق ترويضها , مالم يتداركُ هيثماً أي صغيراً غض الأطراف , و إلا فلا سبيل
إليه بعد أن يشب ويكبر , إلا في حالات لا يعول عليها . لغلبة طبع الجسارة و الاستيحاش عنده .
ويستلزم أمر ترويضه وتدريبه لأربع سنين متتالية في معظم الأحيان , لا يفتأ صاحبه ولا يكل عن العناية
به وتطويعه خلالها , حتى يملك أمره و يستحكم منه كل الاستحكام , وهو بعد ذلك لا يأتمر إلا لآمر
واحد فقط , هو صاحبه الذي رافقه خلال هذا العملية الصعبة .
وهذا ما حدا بالكثير إن لم يكن الجميع من قنّاصة شبه الجزيرة العربية , إلى عدم اقتنائه وتفضيل الصقر
عليه , لسهولة ترويضه و استجابته لأدنى مدرب وصائد كان ( قرناساً = وهو فرخ الصقر ) أو صقراً
تاماً كل التمام , وزيادة على هذا قبول هيئته المستحسنة عندهم , بخلاف العقاب ذو الهيئة
المستبشعة عند من لم يألفه و يتعوده .
برع المنغوليون و القرغيزيون كل البراعة في تطويع هذا الكاسر العنيد لحوائجهم , وهم قبائل جوالة
تقطع البقاع و المسافات الطويلة بحثاً عن العيش في أراضِ لا تحدها الحدود , وتقع مواطنهم في
الوسط و الوسط الشرقي من قارة آسيا أحد معاقل الزعيم التتري جنيكز خان .
يذكر أحدهم أنه يتكسب من عقابه قوت بيته , من صيد يأكله و آخر يبيعه ويستنفع منه
( ويقصد صيد الذئاب و الثعالب حيث ينتفعون من جلودها وعظامها )
وتعدى الأمر أن قرية بكاملها يسد حاجتها عقاب واحد يعيش أهلها كلهم من صيده! , وهذا إن تحقق
برهان ساطع على بتاعة هذا الطائر العظيم (6) .
مما يذكر في العُقاب :
- يحرص على الابتعاد كثيراً عن أماكن تواجد البشر , وقد يضطر إلى مهاجمة الإنسان عندما
يتعرض للتهديد منه , وهذا نادر ما يحدث .
- وفاءه الكبير والعجيب لزوجه من حين وضع البيض إلى حين الوفاة .
- حدة بصره الشديدة التي تمكنه من رؤية طرائده من مسافات بعيدة جداً وقد ضرب له
العرب في ذلك الأمثال .
- قد يعمر العقاب لفترة طويلة تصل إلى الثلاثين سنة ! و أكثر .
* معلومة غريبه عن برقع الطيور !
ضمن أحد تقارير برنامج محطات الذي تبثه قناة العربية , ذكرت الفرنسية آن فريديجر
وهي معلمة موسيقى ومربية صقور أن الأوربيون قبل أن يتعلموا طريقة إلباس الطير البرقع
من العرب , كانت لديهم طريقة أخرى همجية لإغلاق عيني الصقر, وهي أنهم يقومون بخياطة
أجفان الطائر ! ثم نزعها مرة أخرى عندما يريدون أن يصطادوا طريدة ما , وهكذا في كل مرة .
ومن الطبيعي أن هذه الطيور لا تعيش طويلاً لأنها تقتل بذلك ! .
أما عن سبب برقعة الطير إجمالاً :
فمن أجل أن لا يؤذي نفسه حينما يربط , فغالباً هذا الوضعية تزعجه كثيراً فينتابه هيجان شديد
فيبدأ بتحريك جناحيه بعنف وربما يقتل بذلك نفسه ! , فإلباسه البرقع يمنح له شعوراً بأنه قد حل
الظلام فيسكن , لأن الطيور لا تطير ولا تصيد في الليل .
* أخيراً :
من المعلوم أن ما ورد من معلومات مقتضبة في هذه المقالة القصيرة ليست بحقائق علمية فقط
و إنما أشياء متداولة قرأتها من هنا وهناك في أكثر من كتاب و مصدر , فأحببت أن أشارك بها للفائدة للجميع
و لمن أراد أن يضيف شيئاً فمرحبا .